-A +A
عبدالله رشاد كاتب
نعرف أن طموحات جماهير كرة القدم السعودية شأنها شأن جماهير كرة القدم الأخرى، سواء كانت عربية أم غير عربية ترتفع إلى أن تكون كرة القدم السعودية كحال نظيرتها الأوروبية. حقيقة هذه الطموحات تصل أحيانا إلى مرحلة النقد الحاد الذي يصل لمرحلة جلد الذات دون الأخذ في الاعتبار الفوارق الجوهرية، وخاصة منها الاقتصادية والاجتماعية التي تميز الكرة الأوربية عنها في الدول العربية. كرة القدم أصبحت صناعة واستثمارا. ففي الوقت الذي نجد أن ميزانيات الأندية الأوربية تصل إلى ميزانيات دول وأن الصحف هناك تتكلم عن رصد نادي مانشستر يونايتد لشراء الظهير البرازيلي دانيل الفيس نجم البرشا والمنتخب البرازيلي بقيمة 220 مليون يورو في الانتقالات الشتوية من العام الماضي، ولا أعلم حقيقة هل تمت الصفقة أم لا لكنها حتى لو تمت فإن طريقة تمويل مثل تلك الصفقة يختلف كليا عن الطريقة التي تتم بها في دول كالمملكة أو دول الخليج العربي. فالأندية هناك مؤسسات أشبه بشركات قائمة على استقطاب العملاء الذين هم في الواقع الجماهير، فجماهيرية الأندية تعد أحد أبرز مصادر ثراء تلك الأندية، وعندما تقتضي الضرورة شراء لاعبين بمثل تلك المبالغ فهي ليست من باب الترف بقدر ماهي استثمار لذلك المبلغ في اللاعب الذي يعتقد أنه يستطيع تقديم مهارات عالية تساعد الفريق لتحقيق بطولات يفخر بها مشجعو الأندية. هناك أيضا مصادر عديدة تعتمد عليها الأندية هناك لدر الأموال، فمن ناحية الحضور الجماهيري وإيرادات التذاكر إلى عوائد النقل التلفزيوني وعقود الإعلان حسب أهمية المباراة إلى الأدوات الترويجية والدعائية التي يبيعها النادي على المعجبين بنجوم تلك الأندية. ففي فرنسا مثلا وهي دولة متقدمة أوربيا ولكن أنديتها ليست بحجم الثراء الذي تنعم به بعض الأندية الإنجليزية أو الأسبانية، ومع ذلك فإن باريس سان جيرمان تصدر قائمة الأندية الفرنسية في عوائد الموسم الماضي بمبلغ تجاوز الـ 30 مليون يورو، تبعه موناكو بـ28 مليون يورو، ثم ليون (حامل لقب المواسم الأربعة الماضية) بـ9 ملايين يورو، فيما كان أجاكسيو الأقل عوائد بـ356 ألف يورو. واقع الأمر يختلف في المملكة جذريا عن الفكر الرياضي بتلك الدول، فهذه الدول تعتمد على كرة القدم كصناعة ورافد اقتصادي، فيما الوضع هنا بالمملكة يعتبر كرة القدم هواية ترتقي إلى الاحتراف.
وقد لا يكون من المجدي حقا أن نتحول كليا إلى درجة الاحترافية التي تقتضي تحويل الأندية إلى شركات تقوم على تقديم خدمة التسلية والترفيه فقد تسبق هذه الفكرة أولويات. ولا بد من طرح الأسئلة المهمة في هذا الشأن والتي يجب أن نعرف من خلالها أن الاقتصاد الرياضي وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار هل هو اقتصاد مجد ويحقق قيمة مضافة للمجتمع والدولة، وهل يمكن ان يوفر مزيدا من فرص العمل إذا ما تم تخصيص أموال ضخمة لتأسيس شركات الاندية الرياضية ؟ وهل سيؤدي مثل هذا التحول من الهواية إلى الاحتراف التام إلى تحقيق البطولات وبروز مواهب رياضية كروية تدر أرباحا على الأندية؟ إنها أسئلة كثيرة تتفرع منها أسئلة أكثر للوصول لحقيقة جدوى الاستثمار الرياضي الحقيقي وبروز اقتصاد رياضي منتج يضاف إلى دعائم الاقتصاد المختلفة لدعم الاقتصاد الوطني. لذا فإن ما يتم انفاقه بالأندية السعودية يأتي معظمه من رجال أعمال متبرعين وليسوا مستثمرين، يدفعهم لذلك الإنفاق العديد من الاعتبارات التي قد يكون منها الجانب الاقتصادي لكنه ليس الجانب الرئيسي للتبرع.